06 - 05 - 2025

القاتل .. محاولة لتفكيك لغز قضية "ميت سلسيل" (تحقيق مصور)

القاتل .. محاولة لتفكيك لغز قضية

هل قتل محمود نظمي طفليه ريان ومحمد "فعلا" ولماذا يكذب أهله روايته؟ 

مستند خطير "تم اتهام الإخوان باصطناعه" يجعل حل اللغز في يد وزير الداخلية ومدير أمن الدقهلية السابقين.

كان يمكن أن تمر مثل أي جريمة عادية من الجرائم الغريبة التي تشهدها مصر يوميا، لكن مأساوية قتل طفلين أكبرهما عمره 5 أعوام، مع ما أحاطها من ملابسات مريبة، حولت القضية إلى قضية رأي عام.

كما أن مانقل على لسان الجاني المفترض حتى هذه اللحظة، وارتباك أدائه عبر 3 روايات متناقضة، وعدم إحساسه الفطري بالذنب، وكذلك الرغبة في لملمة القضية، بعد الحصول على اعتراف بالصوت والصورة من والدهما، والسعي لنشر فيديو الاعتراف على أوسع نطاق يثير الشكوك.

وما يقطع الشك باليقين، هو أن العداوة التي كان يفترض أن يكنها أهالي ميت سلسيل، وأهل بيته وعائلته للقاتل المفترض، لاوجود لها، فلن تجد قريبا واحدا يمكن أن يقتنع بروايته التي سجلتها له سلطات التحقيق، بل حل محلها تعاطف ومساندة ويقين بأن ضغوطا شديدة تمارس عليه، ليس من قبل الشرطة أو النيابة في محافظة الدقهلية، بل من كبار مجهولين، يهمس الناس بصفاتهم ونفوذهم الكبير، وليس بأسمائهم.

المشهد حاولت تفكيك اللغز وأرسلت أحد محرريها إلى ميت سلسيل للاستماع إلى روايات الأهالي ومعاينة مايجري على أرض الواقع وأجرت اتصالات بعدد ممن وردت أسماؤهم في وثيقة لكشف حقيقتها، حيث يمكن أن تمثل مفتاحا لحل اللغز، وهي تنشرها مع طمس الأسماء الواردة فيها، (إيمانا منها أن أي متهم بريء حتى تثبت إدانته، وأن الأمر في يد سلطات التحقيق المختصة وهي المستأمنة على تحقيق العدل مهما كان نفوذ أطراف القضية، وواجبها مطالبة وزارة الداخلية بنقل الملف الذي تشير إليه إلى عهدة النيابة إذا لم تكن الوثيقة مصطنعة على حد ما ذكرت صحيفة الأخبار).  

----------------

احتجاجات وحملة أمنية

مساء الثلاثاء الماضي تجمع عدد كبير من أهالي ميت سلسيل امام منزل محمود نظمي والد الطفلين ريان ومحمد 3 و 4 سنوات الذين عثر على جثمانهما مربوطين في مياه بحر فارسكور بدمياط مرددين هتافات "يا محمود قول الحق انت برئ ولا لأ".

ووعد الأهالي من تبقى من أسرة محمود نظمي بحمايتهم من أي مكروه، مشيرين إلى أن هناك أيادي كبيرة في القضية تحاول تغيير مسارها.

"عايزين حق ريان ومحمد"، هي الجملة الرئيسية التي ترددت علي ألسنة أهالي ميت سلسيل، التابعة لمحافظة الدقهلية، خلال الاحتجاجات وما تزال تتردد، وكثير من الأهالي اتشحوا بالسواد للتعبيرعن حزنهم، كما رفض أهل الطفلين تقبل العزاء فيهما قبل انكشاف الحقيقة، ومعرفة الجناة، فمنذ أول أيام عيد الاضحي المبارك، سقطت مدينة ميت سلسيل في سراديب مظلمة، وصراع أفكار بعد دخول القضية في حلقة من الألغاز التي لا يملك حلها غير محمود نظمي نفسه، وعدد قليل يعد على أصابع اليدين، لكنهم بعيدون عن الأنظار.

كان الرد على الاحتجاجات القبض على نحو 30 شخصا، تشير الروايات الإعلامية إلى أنهم مثيري شغب جاؤوا من خارج مدينة ميت سلسيل – وزاد البعض القول أنهم ينتمون لجماعة محظورة تحاول الاصطياد في الماء العكر- وكذلك حملة إزالات شديدة للإشغالات بقيادة مدير أمن الدقهلية، لم تكتف بإزالة الإشغالات وانما امتدت إلى بعض الشرفات، كما توضح الصور!! 

آراء مواطنين

استمعت المشهد إلى آراء الناس في محيط منزل محمود نظمي سعيا للعثور على خيوط تعينها في فهم ماحدث.

"م م غ"، محام، قال: إن محمود نظمي شخصية محبوبة جدا بين أهل البلد، ولايمكن أن يدفعه شيء لقتل أبنائه، وأضاف إنه يعيش حياة ميسرة فقد كان يرعي أرضه الزراعية، وغلطته الكبري أنه اتجه للعمل بتجارة الآثار مع بعض الأشخاص ذوي المناصب المهمة، وحدث خلاف كانت نتيجته قتل أطفاله، وهؤلاء الأشخاص لايمكن توجيه إتهام صريح لهم، لأن الصورة ليست كاملة إلي الآن.

 ويفسر (م.م.غ) مجئ بعض الشخصيات العامة إلى المدينة بشيئين: إما تعاطفا مع الضحايا، أو محاولة الوصول إلى معلومات وأدلة لتصفية حسابات ، كما يشير إلى أخبار يتم تمريرها وتداولها حاليا مفادها أن محمود نظمي يريد الإنتحار داخل المركز، وهذا غيرواقعي، "لكن أظن إننا سنسمعه قريبا، فهذا مسلسل نهايته معروفة" على حد قوله.

"أ إ ب"، أحد أصدقاء محمود نظمي يقول: إنه طيب جدا، وأي شخص يتعامل معه يجد ألفة سريعة، وينفي ارتكاب محمود للجريمة، مؤكدا أن الأطفال ضحية "تجارة غير مشروعة بالآثار"، تورط فيها المتهم.

ويجزم بأن والد الطفلين الغريقين متزن جدا، وكل مايقال عنه بأنه يعاني من الإنفصام، أو من جرثومة معدة غيرصحيح، كما أنه ليس له أي علاقات نسائية، ولا يتعاطى المواد المخدرة ،ولنفترض إنه كان متعاطيا ليلة الحادث، أيعقل أنه إستطاع قيادة سيارته، وإلقاه أبنائة وهومغيب العقل، نحن نريد حق الطفلين وإظهارالحقيقة

" م أ "، أخصائي إجتماعي، يقول: إن ميت سلسيل بها نسبة تعليم عالية جدا، نعلم ما يحدث ولاننساق وراء الشائعات، فنحن نحاول أن نحلل أي واقعة، وأعتبر أن حملة الإزالة التي تمت ليست إلا حملة تأديبية ردا علي ماحدث من إحتجاجات تضامنية، لعدم علمنا بمكان حبس محمود نظمي، وهو ما دفع الأهالي للغضب وقرروا عمل وقفة إحتجاجية مطالبين بإظهار الحق، وسرعان ما حاصرت قوات الأمن المدينة وألقت علينا قنابل مسيلة للدموع لفض الإحتجاج، وتم إحتجاز ما يتراوح بين 30 إلي 40 شابا، ليتم عرضهم علي نيابة شمال المنصورة، كما قامت الشرطة بفرض كردون أمني أمام منزل المتهم لمنع وصول أي شخص إلي أسرته.

في طريق البحث عن الحقيقة قابلنا سائقا اشترط عدم ذكر إسمه، ويقول: عند مروري على أحد الأكمنة، طلب مني الرخص وعندما قدمتها له وعرف أني من مدينة ميت سلسيل قام بسحبها على الفور، رغم عدم وجود أي مخالفات، وتكرر الأمر نفسه مع أحد زملائي السائقين، "فنحن ضحية جانبية لجريمة إرتكبها أشخاص نتمني إظهارهم"، لأن محمود برئ، وأضاف قائلا " لو رأيت محمود أثناء إختفاء الطفلين، وذعره وتوسلاته ودعواته, ووعوده أن من يعثرعليهم سيحصل على مكافأة مالية، ورسالته التي تركها بمنزله ومحتواها "يا أجيب حقهم يا أموت زيهم"، وكلامه عندما تم حبسه، قائلا:"أنا عايز أقعد في الحجز لأني لو خرجت هيحصل أكترمن كده"، تتيقن براءته .

سيدة طلبت عدم ذكر إسمها، تقول: بعض القيادات الأمنية كانوا يحملون فيديو اعتراف محمود نظمي ليراه الأهالي، وهذا أمر غير قانوني بالمرة، كما أن "تقريرالطبيب الشرعي يؤكد – حسب قولها - أن وفاة الطفلين حدثت الساعة 12 ليلا، والمتهم في اعترافه قال أنه ألقاهم في الماء بعد المغرب"، تضارب آخر هو قوله أنه رمى الطفلين واحدا وراء الآخر ، بينما عثر الأهالي على جثتي الطفلين مقيديتين، في الفيديو الذي أذيع أيضا يحمل المتهم ماكينة حلاقة، فكيف سمح له الدخول بها دون تفتيش، كذلك هناك تشكيك في أقوال شهود العيان الذين أخرجوا جثتي الطفلين من المياه، لأنهم قالوا كلاما مخالفا لتقرير الطب الشرعي، كما إنهم ادعوا إسراع مباحث الدقهلية بالحضور، وهو أمر يخالف الواقع.

وتنهي حديثها بالقول: "نتمنى أن تلتفت جهات التحقيق إلى تلك الثغرات ، وتراجع مسار التحقيق لإظهارالحقيقة، وكشف مرتكبي الجريمة الحقيقيين. 

ويوضح أحد شهود العيان، رفض ذكر إسمه، أنه من يوم الإحتجاجات التضامنية مع محمود نظمي، وهناك حالة عدم استقرار، حيث يتم فرض حظر تجوال بعد الساعة 12 ليلا، والكثير من سيارات الأمن المركزي، ودرويات كثيرة داخل المدينة وعديد من الأكمنة تحاصر"ميت سلسيل"، وأي شخص يتحرك أثناء حظر التجوال يتم إحتجازه.

ولاحظت "المشهد" أيضا إحجام كثير من الأهالي عن التحدث - كما قالوا - خوفا علي أنفسهم وعلي أولادهم، حيث أعلن أحدهم:"أنا لو مش معايا أطفال، كنت وقفت وتحدثت بالحقيقة، لكن أخشي أن يصيب أبنائي ما أصاب ريان ومحمد".  

شيء ما غامض، لا يعرفه أحد إلا الرجل الذي ادعى قتل طفليه، فهناك إشارات تدل على كذب مزاعمه، نرصد منها الآتي بمعاونة مختصين ومحللين نفسيين:

- في الاعترافات قال هاتفه كان غير متاح، ثم قام بفتحه لكي يتواصل مع والدتهما ويخبرها بالأمر، لكن تقرير شركة الاتصالات يؤكد إجراء وتلقي مكالمات في الوقت الذي أشار فيه لإغلاق هاتفه.

- أن شفرة العلاقة التي أظهر أنه يحملها تمثل أمرا ممنوعا بتاتاً في السجون ومراكز الاحتجاز، فكيف سمح له بوضعها في جيبه، وعدم تعرضه للتفتيش أمر غير وارد.

- يقول في اعترافاته أنه أخذ قسطاً من النوم، ثم ذهب لصديق له لأنه يشعر بالمرارة بعد هذه الفعلة، ولكن الأمر الطبيعي أن لا يمكن أن يقدم شخص على قتل أطفاله، ثم يذهب إلى النوم.

- المقطع المصور لا يوحي بأي لوم أو تأنيب ضمير لرجل قتل طفليه، فهو يتحدث بكل هدوء وسكينة، كما أنه أغرق في التفاصيل الصغيرة عن طريقة سيره في الشارع، وكيف وصل إلى هدفه، الأمر الذي لا يمكن تصديقه.

- سبب القتل الذي ذكره وهو أنه يعاني مرضا في بطنه، كما أنه لا يتحمل طلبات الطفلين باللعب معه! أو أنه قتل طفليه لعدم قدرته الإنفاق عليهما غير صحيح، فثروته الخاصة – حسبما قال المقربون - تتجاوز 15 مليون جنيه، إضافة إلى أنه كان يبني عقارين جديدين، وكان يعشق طفليه ويحبهما جداً، ويسهر بجوار أي منهما حتى لمجرد تعرّض أي منهما لنزلة برد. 

- من الذي يضمن أن الغموض الذي يكتنف القضية لا يمثل تكرارا لجريمة وقعت قبل نحو شهرين، حينما تم قتل أسرة بالكامل في مدينة الرحاب، وأغلقت النيابة العامة القضية لأنها انتهت إلى أن الرجل قتل أولاده ثم انتحر، وما تردد عن علاقة الحادث بتجارة الآثار.

مستند يجب كشف حقيقته

كل الخيوط السابقة تعزز الشكوك حول صحة "وثيقة تسربت وانتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي" وننشرها بعد طمس الأسماء الواردة فيها والذين يمكن أن تساند الرواية الأولى حول خطف الطفلين والتخلص منهما كنوع من الانتقام البشع من والدهما وحرق كبده على طفليه البريئين، وندعو النيابة العامة بما عرف عنها من نزاهة إلى استخدام سلطاتها لجلب أصل الوثيقة.

الوثيقة (التي تتهم الكتائب الإلكترونية للإخوان باصطناعها) عبارة عن خطاب (يقال أنه مزور) صادر من اللواء أيمن الملاح مدير أمن الدقهلية السابق في 14 فبراير 2018 الي اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية السابق ومرسل من رقم فاكس واضح وتشير إلى الآتي:

1- أن تحقيقات جرت بمديرية أمن الدقهلية أكدت أن محمود نظمي السيد "والد الطفلين" قام بالابلاغ عن عميد شرطة، كان يشغل منصبا بالمديرية، ويعمل مع آخرين (تذكر أسماءهم) في تجارة المخدرات والسلاح.

2- قام والد الطفلين (محمد وريان) الذين تم قتلهما فيما بتقديم التسجيلات الصوتية لمدير أمن المحافظة السابق، لكشف المجرمين ولعب دور الوساطة بين الضابط وتجار المخدرات والسلاح، وذلك ليبريء ساحته ويعد شاهدا في القضية – وليس متورطا فيها طبقا للقانون -.

3- بعد التاريخ المدون على الوثيقة بنحو ثلاثة أسابيع، تم فعليا نقل عميد الشرطة – الذي تشير إليه لمحافظة أخرى كضابط نظامي، وتم نقل مدير الأمن – مرسل الوثيقة - للعمل بديوان وزارة الداخلية.

إن صحت الوثيقة – ويجب التدقيق في صحتها من عدمه – فهي تمثل مفتاح اللغز الكبير وللتحقق من صدق اصطناعها حاولت المشهد مرارا، التواصل مع اللواء أيمن الملاح، إلا أنه امتنع عن الرد على هاتفه، رغم شدة إلحاحنا في طلبه.

قد تكون الأسماء الواردة لاعلاقة لها بالحادث أو متورطة فيه وتمثل مفتاحا على الأقل لألغازه، ووضعها تحت أعين الجهاز القضائي مفيد في كل أحواله، وكان من واجب الداخلية إزاء قضية يثور فيها لغط كبير أن تصدر نفيا رسميا، أو أن يخرج اللواء الملاح ليقول أن اصل الوثيقة كذا والمحرف فيها كذا، أو أن الوقائع المشار إليها مصطنعة بشكل كامل زلم تحدث بتاتا.

 المشهد لاتقصد إلا كشف الحقيقة وإجلاء الغموض وإنصاف متهم أحيل للمحاكمة ونشرت تسجيلات لاعترافه وتسجيلات أخرى تؤكد أنه خرج مع أولاده سالمين من الملاهي، بما يعزز فرضية ارتكابه الجريمة البشعة، لكنه أيضا قد يكون مظلوما أو يتعرض لضغوط من خارج أجهزة التحقيق وربما من خارج المحافظة جعلته يعترف مكرها بما اعترف به، وإلا لماذا يستمر عدم تصديق الناس لفكرة أنه الجاني.

------------------------

ميت سلسيل - تحقيق وتصوير: محمود طايع

شارك في جمع المعلومات:  علاء العربي – أحمد صلاح سلمان